الحلاج الزبلكاوى..!
البشر صنوف، وفى مصر ينبغى لك أن تتوقف أمام صنف «الزبلكاوى»، فهو بالتأكيد طينة أخرى من البشر تحمل جميع المتناقضات، فهى هشة لا تصدق الانتصارات، وتبدو صلبة أمام الانكسارات، طينة تعيش لتصبر، وتشجع لتكفر، يصيبها الهلع من الرقم 1 وتؤتمن دائما على الرقم 2، فالعلاقة معه أبدية مثل حقائق الحياة والموت، طينة لا تتحرك أبعد من تحت قدميها، فهى تخشى من التقدم وتعشق التقهقر، ترى الدنيا من خرم إبرة، وتنظر للأشياء على أنها مستحيلات، المرارة قدرها، والمشافى ملجؤها، وشركات الأدوية وكيلها، والضغط والسكر «أنتيمها».
النجاح لا يأتى مصادفة فهناك عوامل عدة تتداخل وتتضافر لتنتج فى النهاية أداء يدفعك إلى الإمام، وفيما يخص الزبلكاوى فإن هذه العوامل تتلخص حالياً فى «يلا يا رجاله شدوا حيلكم» وغيرها من المحفزات دون عقل يفكر ويخطط ويدبر ويتصرف وفق اعتبارات الميدان.
إذا سألت الزبلكاوى أيا كان، لاعباً أو مدرباً أو متفرجاً، عن آخر مرة حصل فيها الزمالك على الدورى، فسيرد بسؤال «اسالنى الأول عن عدد المرات التى حصلنا فيها على المركز الثانى»، وهذا السؤال الاستنكارى جزء من السليقة الزبلكاوية الفطرية الشفافة، فهم أبطال الاعتراف بالحق الذى هو فضيلة، وهم أكثر المصريين توافقا مع ضمائرهم وذواتهم، وهم الأنقياء الراضين بالقضاء والقدر.
الزبلكاوى فى ظل قيادة حسام حسن الصحاف الاقرع يستدعى إلى الذهن صورة القذافى وهو يصرخ قائلا «من أنتم.. من أنتم لقد دقت ساعة الزحف لقد دقت ساعة العمل.. ثورة ثورة» مع أن قوات حلف الأطلسى الإمبريالى الأهلاوى بمساعدة أبناء جلدته «بصرى والذين معه» هاجمت دياره ودكت حصونه وأسقطت مدافعه ودفاعاته، وأغلقت عليه منافذ الماء والهواء، وحبسته فى المنطقة الفنية على خطوط التماس، ورغم ذلك يتحدث عن المعركة التى لم تنته والمقولة العبثية الخارجة «الدورى فى الملعب».
نحن لدينا ثقة فى فريق الزبالك مثل ثقتنا فى يقين القذافى بالنصر، فنحن جماهير الزبالك أصبحنا كما قال عبدالحليم حافظ «زى أوراق الشجر وقت الخريف رماها الريح»، مع ترديد رائعته «موعود معايا بالعذاب موعود يا قلبى».
الزبلكاوى يذكرك بالحلاج الذى اعتبره مريدوه وليا قضى عليه العشق، والعشق الزبلكاوى مثل ما حوته روايات الرومانسية من نهايات مأساوية مثل «روميو وجولييت»، وقد اعتبر البعض الزبلكاوى «مازوخى» - يعنى شخص يتلذذ بتعذيب نفسه - بإصراره على زبلكاويته، ولكنهم لا يعرفون أنها مثل الجنسية وفصيلة الدم والبصمة والحمض النووى.
«أنا الزبلكاوى.. والزبلكاوى أنا».. محاولة للإبقاء على علاقة فريدة بين القلب والعقل كما فعل الحلاج عند صرخته «أنا الحق» عند قطع رأسه، ليقاوم بها الزبلكاوى تغيير هواه، الذى يرتحل به حينا خارج الحدود مع كل من يرتدى الفانلة البيضاء أملا فى استعادة نصر غائب، ولكن الأمل خاب حتى مع كبار العالم فـ«الملكى سقط أمام البارسا وخرج فقط بكأس يتيمة».
«اليوجا» ورياضات حكماء آسيا للتسامى وتهذيب النفس، تتضاءل وتتحطم أمام غريزة تشجيع الزبالك، فإذا أردت أن تصنع لنفسك طاقة صبر بحجم اليابسة, وتصبح متأملاً مثل حكماء «التبت» فعليك أن تنظر لأبوكونيه وقدميه تلتفان مثل الثعبان أمام مرمى المنافسين، أو تشاهد عروض السيرك لـ«عمرو الصفتى» أو تركز قليلا مع كنترول أحمد جعفر على الكرة، لتتيقن تماما أن الإنسان أصله مهاجم.